منتدى العمق

الفقيه والشيطان

كان كلما إجتمع وإياهم يخبرهم أنه رأى الشيطان، مرة يقول أنه اعترضه وهو في طريقه الى المسجد لصلاة الفجر ، وأخرى لمًا كان يسير لزيارة شخص مريض،غير أن شباب القرية كانوا لا يصدقون اعترافات الفقيه؛ وآخرون كانوا يعتقدون أن عائشة تزوجته ( عايشة قنديشة)،أما نساء القرية فكن متيقنات أن الفقيه يحدث الشيطان ويخابره، ويهمس له بكل اسرارهن؛ لذا كن يحترمنه ويمكنه من جميع احتياجاته،أما العازبات فكن يتوددن إليه طمعا في مساعدتهن على الزواج.

كان بيت الفقيه بجانب المقبرة،يتكون من غرفتين ومرحاض وحوش،احدى الغرف يستعملها للنوم، والاخرى يستغلها لتعليم ابناء وبنات القرية، لم يكن متزوجا، وألف أن لا يغادر بيته إلا نادرا، فرجال القرية يوفرون له كل متطلبات الحياة، و نساؤها يزرنه كلما احتجنه ليكتب لهن كتابا أو شيئا يخصهن، مقابل دراهم معدودة،أما العازبات فكن لا يزرنه منفردات.

اعتاد اهل القرية استشارة الفقيه في كل صغيرة وكبيرة،كانوا كلما وقعوا في خلاف بينهم استعانوا بتحكيمه، وكانوا دائما ينضبطون لأحكامه ولا يخالفونها،كان يؤطر جميع حفلات القرويين من حفلات الازدياد مرورا بختان الاطفال الى اعراس الزواج، كما كان يسهر على توزيع الارث والتفصيل في مقدار الزكاة.

كان كلما حدثه شيخ من شيوخ القبيلة عن الزواج، أو اقترح عليه الإرتباط بإحدى بنات القرية، يتهرب من النقاش ويغير الموضوع،حتى بدأ شيوخ القبيلة بدورهم يعتقدون ما يعتقده الشباب بشأن زواجه بعائشة.

ظلت الأمور بهذه القرية تسير كما يريد لها الفقيه،كان يؤثر في كل مناحي الحياة، وكان معظم السكان يؤمنون أن موطن الحقيقة فقيه القرية ، الا بعض شبانها الذين عادوا اليها بعدما سبق وغادروها الى المدينة من اجل الدراسات العليا!

تقع مقبرة القرية وبيت الفقيه في أعلى التلة، وهو ما كان يسمح له بمراقبتها،فلا تغيب عنه أي معلومة تخص السكان،كان يتابع كل تحركاتهم، ويعرف أوقات اشعال المواقد وأوقات سكون القرية ونوم أهلها! كان على علم تام باللقاءات المشبوهة التي تتم ليلا بين شاباتها وشبانها،غير أنه كان كتوما وحريصا على ان تظل اسرار القرية مسجونة في ذاكرته! وكانت النساء كلما زارته احداهن تخبره امورا خصوصية بينها وبين زوجها، أو بين الجيران، حتى العازبات كن يفعلن معه نفس الشيء، وتفصحن له عن خباياهن بل حتى طموحاتهن.

كان حديث أهل القرية في كل تجمعاتهم يتمحور بالأساس حول رفض الفقيه للزواج، أما النساء فكن ينسجن العديد من التفسيرات حول هذا الموضوع، حتى اصبحن يشككن في بعضهن البعض،ايكون زواجه بعائشة هو السبب الحقيقي لهذا العزوف؟ لكن احدى المعمرات لا تصدق هذا الامر،لأن ملابسه وحالته دائمة النظافة، ومن يتزوج عائشة يكون متسخا و تكون رائحة ثيابه لا تطاق من كثرة أوساخها! تؤكد العجوز.

في هذا الصباح الحار من الأيام الأولى لشهر غشت، عاد الاطفال مفزوعين الى بيوتهم قبل الموعد، فخرجت النساء وعيونهن تحملق تجاه بيت الفقيه،اما الرجال الذين لزموا البيوت و تأخروا هذا الصباح عن الحقول فصعدوا بخطى سريعة الى التلة لمعرفة ما يقع هناك،لكن يبدو أنهم وصلوا متأخرين،ليجدوا أن بيت الفقيه افرغ من كل محتوياته،باستثناء لوحات الاطفال،كما لاحظوا ان سيارتين مخزنيين غادرتا بيت الفقيه بوصولهم.

باتت القرية على هذا الحدث الغامض لاختفاء الفقيه، وتناسلت الحكايات، واجتهد شيوخ القبيلة في ابداع التفسيرات، وتعددت وسائل النساء في اخراج بعض الاشارات من اطفالهن، لكن دون جدوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *