أدب وفنون

“لو كان يطيحو لحيوط”.. بلعباس: مشاهد الفيلم عفوية وتهمني سينما ما وراء “الكادر” (فيديو)

تصوير ومونتاج: فاطمة الزهراء الماضي

في مغامرة سينمائية جديدة، يغوص المخرج والسيناريست حكيم بلعباس، من خلال فيلمه “لو كان يطيحو لحيوط”، في قصص إنسانية من أبي الجعد، عبر حكايات نساء ورجال وأطفال، تفرقهم تناقضات القدر، إلا أنهم يتقاسمون نفس مشاعر الحزن والفرح والألم والأمل. في هذا الحوار يشَرح بلعباس قصص هذا العمل السينمائي، في محاولة لالتقاط أشياء لم ترصدها أعين الكاميرا.

 “لو كان يطيحو لحيوط”.. ما قصة هذا العنوان؟ 

عبارة كان يقولها “مصطفى الشبابي” مُشغل آلات عرض سينما والدي بمدينتي أبي الجعد، الذي قضيت طفولتي معه، وعلمني أبجديات المونتاج، إنه شخص عاشر مختلف أصناف البشر.

مع حلول المساء، كنا نتجول بين الفينة والأخرى في دروب المدينة، وكان يقول لي: “لو كان يطيحو لحيوط”، لترى ماذا يفعلون الناس ببعضهم البعض؟ ومدى عمق أذيتهم وتعاطفهم مع بعضهم البعض”. 

لم أفكر حينها بمعنى الجدران، هل هي أشياء تفرق الناس أم تجمعهم ؟ أو إنها مجرد استعارات وصور مجازية”، ولأني لا أملك مهارة كتابة العناوين، اخترت هذه العبارة عنوانا لفيلمي الجديد.   

يبدأ الفيلم بمشهد سيدة عجوز تشاهد فيلما داخل قاعة سينمائية.. لماذا اخترت امرأة وليس شخصا آخر ؟

لم تكن اختياراً شخصي ولا ضمن السيناريو. قبل ثلاثة أيام من بداية التصوير سافرت إلى أبي الجعد وأنا لا أملك بعد خيط رابط يجمع بين الحكايات التي كتبت. خرجت في نزهة خفيفة كان يطلق عليها “دورة البيرو” أيام المستعمر الفرنسي. 

خلال هذه النزهة، مررت على “عين الشيخ”، أول مشهد في الفيلم، تذكرت “يامنة” وهي سيدة بكماء صماء كانت تحرس هذه العين، التي لا تنضب من الماء، كما اشتهرت بحماية النسوة اللاتي كن يغسلن الصوف بهذا المكان. 

كانت تتردد “يامنة” على سينما والدي لمشاهدة الأفلام المعروضة، حيث كانت تجلس على كرسي خاص بها، لعدة اعتبارات منها لكونها المرأة الوحيدة التي كانت تدخل السينما آنذاك، ولأن الجميع كان يخشاها”، للأسف “يامنة” توفيت، وكان من الضروري اختيار سيدة أخرى لتجسيد هذا الدور.

تذكرت سيدة عمياء شاركت في فيلمي “عرق الشتاء”، وما أثار انتباهي آنذاك أن هذه المرأة التي تدعى “فاطنة” تملك نعمة البصيرة التي تمنحها فرصة الرؤية بأعين أخرى، وبالنسبة لي السينما هي أن نشاهد ما لا يمكن أن يرى أحيانا بعين أخرى هي “الوجدان”.

خلال مشاهد الفيلم، كانت هناك لقطة تضم أوراق “الكارطة” وسط مياه العين، هذا المشهد لم يكن ضمن السيناريو، بل التقطته أثناء تصوير الفيلم. لهذا يجب على الإنسان الانتباه للأشياء من حوله، لأن كل أسرار الحكي بيننا. 

لم أفكر يوماً في تصوير فيلم تكون أغلب حكاياته عن النساء، رغم أن هذه القصص عاشت معي في البيت، حوالي ثلاث سنوات، وكنت أشاهدها كل يوم، إلا أنني لم ألاحظ هذا الأمر قط إلا بعد أن التقطه الجمهور. 

كتبت في بداية الفيلم “حكايات من ذكريات طفولة في مدينة صغيرة”.. هل كان سهلاً عليك تذكر ذكريات الطفولة؟ 

ليس لدي مشكلة في استحضار ذكريات الصغر، لأن أولى دروس الإخراج التي تعلمت في أمريكا كانت حول سرد قصة من أعماق حياتك، ولحدود ذلك الوقت كان يخيل لي أنها “أشياء غير مهمة” لكن تغير هذا الأمر. حكايات الفيلم هي قصص عشتها أو رُويت لي أو شاهدتها.

أعتقد أن الطفولة تحمل في طياتها ما يمكن أن يُزود الإنسان بحكايات لطول عمره، لأن خلال هذه الفترة تُبنى شخصية المرء سواء في علاقته مع العالم أو الأسرة أو الكوابيس التي تُرعبنا وتترك “صدمات وجدانية”.

لماذا تعتمد على أشخاص عاديين في أفلامك؟

لأني أؤمن أن أي إنسان يحمل قصة ما، على سبيل المثال مشهد الشاب الذي سرق صندوق جدته، وركب الحافلة هرباً إلى المجهول، لا أحد يعلم محتوى الصندوق، لكن الأهم هي تعابير وجهه.

وسط هذا الهروب، يستقبل نظرة غير مفهومة من سيدة عجوز داخل الحافلة كأنها تترجم إحساسه بالذنب بعد محاولة خنق جدته، هذا المشهد جعل من سيدة الحافلة شخصية رئيسية في الفيلم من خلال “نظرة” فقط. 

مشهد غناء الطيور وتجول خياط الجلابيب رفقة زوجته في الغابة كان ساحراً، قربنا من هذه القصة؟

“عبد القادر” مصمم جلابيب وآخر الخياطين التقليديين بأبي الجعد، هو صديق “سي الباهي”، صاحب هذه القصة، الذي كان يدرب عصافيره المعروفة باسم “طيور السطيلة” على غناء أطلال أم كلثوم. 

بعد نهاية تصوير لقطة غناء الطيور، رفض “عبد القادر” تصوير ما تبقى من المشهد في العشية، لأن ذلك الوقت يخصصه لزوجته المريضة ولا يمكن أن يفوت هذا الموعد، فطلبت منه مرافقته في النزهة.

خياط الجلابيب أهداني مشهداً لم يكن في السيناريو. أما أغنية “الأطلال” لأم كلثوم أحفظها منذ صغري، واستعملت في هذا الفيلم بشكل أتمنى أن يكون “سينمائياً”. 

الحيوانات في الفيلم، هل كانت ضمن السيناريو أم مجرد مشاهد عفوية حضرت أثناء التصوير؟

غالباً تكون حاضرة في عقلي، لكن على سبيل المثال “السلحفاة” الذي ظهر في مشهد الأم التي تبنت شاب غادر السجن طلبت إحضاره صباح تصوير هذا المشهد، أما مشهد “القطة” التي تنظر إلى الرجل عفوي، حيث أثناء التصوير انتبهت أنا ومدير التصوير، إلى وجود قطة تقتفي حركات الممثل. طلبت من الممثلين إعادة المشهد، وصَورنا تعابير وجه القطة، لنقوم خلال مرحلة المونتاج بدمج اللقطتين في مشهد واحد.  

الماء واللون الأخضر.. هل يترجمان دواعي سينمائية أم يرمزان لمدينة أبي الجعد؟ 

أثناء كتابة السيناريو أو التصوير لا تحضرني دواعي استعمال الألوان ورمزيتها في الفيلم، بل ربما هي أمور تُقرأ بعد الانتهاء من مرحلة المونتاج أو بعد مشاهدة الفيلم من طرف الجمهور. أما بخصوص الماء هي مسألة دائمة بالنسبة لي.

القصة التي جسدها أمين الناجي وحسناء مومني، هل خيالية أم حقيقية؟ 

هي قصة متخيلة، لكن لم تأتي صُدفة بل التقطتها أثناء تجولي بذلك الحي، وسمعت طفلة تقول لوالدها “قالت لك أمي لا تنسى أن تحضر الماء من أجل تحضير الشاي”، وهي العبارة التي قالتها الفتاة في أحد مشاهد الفيلم. 

لكن بنيت هذه القصة على أن أحد هؤلاء الأشخاص إما أمين الناجي أو حسناء مومني يُعتبر ظل الآخر، ورغم أنهما يجمعهما “حب متيم” لا يمكن أن تجمعهما علاقة، أما بخصوص الشخص الذي توفي فكان يجب أن يكون زوجها.

السينما التي تهمني هي التي وراء “الكادر” لأن دائما أتساءل عن شكل الشخص الذي لم تُصوره الكاميرا وعلاقته بالأشخاص الذين يوجدون داخل الكادر.. 

تفاصيل أكثر في هذا الحوار:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *