منتدى العمق

المتلعثمين, الفئة الصامتة

هل سبق لكأن كان أقصى طموحك هو نطق اسمك بطريقة سلسة؟ هل سبق لك أن بكيت لأنك لم تستطع الإجابة على أسئلة أستاذك؟ هل سبق لك ان كانت إحدى مخاوفك هي الإجابة على الهاتف ونطق كلمة ألو؟ هل سبق لك أن فضلت الإنعزال عن محيطك تجنبا لتنمرهم وتهكمهم على طريقة كلامك؟ ان كنت تتساءل فهذا ما يسمى بالتأتأة أو التلعثم او الصراع مع الكلمات والحروف.

جل التعريفات المقدمة للتأتأة تتفق على أنها اضطراب في الكلام والنطق تمنع خروج الكلمات بطريقة طبيعية. فالباحثة في مجال التخاطب أميمة محمد احمد حسانين تعرفه على أنه اضطراب في إيقاع الكلام وطلاقته يتميز بالتوقف اللاإرادي عن الكلام أو التكرار للمقاطع والحروف أو الاطالة لأصوات الكلام خاصة الحروف المتحركة بالإضافة الى المصاحبات الجسيمة كتغير في عضلات الوجه, وحركات الفم, والراس, والرقبة, واليدين, والرجلين وسرعة التنفس.

تتجلى التأتأة في مجموعة من المظاهر كتكرار الحروف أو المقطع أو الكلمات، أو التوقف المفاجئ أو الطويل قبل نطق الحرف او الكلمة، إطالة النطق بالحرف قبل نطق الحرف الذي يليه مع حركات سلوكية لا إرادية كرمش العينين وهز الأيدين إضافة الى الإحمرار والتعرق.

اما بالنسبة للأسباب فليس هناك سبب دقيق متفق عليه حول التلعثم لكن هناك عوامل عدة أفرزتها دراسات علمية منها ماهو فيسيولوجي ونفسي وجيني. بل هناك بعض الباحثين الذين يعتبرون أن ظهور التأتأة يعود لمرحلة الطفولة بسبب مجموعة من العوامل كالتعرض إلى صدمة أو الخوف الشديد من شخص ما أو فقدان شخص عزيز خصوصا إن كانت الام أو الأب, وكذلك القسوة في المعاملة مع الطفل. اما أستاذ الطب النفسي جيرالد ميغواير في جامعة كاليفورنيا الامريكية فقد خلص إلى أن وجود تاريخ عائلي للإصابة بالتلعثم يجعل معدل الإصابة مرتفع.

تبتدئ الصعوبات التي يواجهها ذوو التأتأة منذ الدراسة. فرغم جهود الوزارة في ادماج ذوي صعوبات التعلم في البيئة التعليمية, إلا أنها لاتشمل ذوي التأتأة. من هنا تنطلق الصعوبة وخصوصا في المباريات المتعلقة بالمدارس والمعاهد ذات الاستقطاب المحدود التي لاتتوفر فيها تكييفات لهم, ويبقى الطالب او التلميذ المتلعثم رهين لمدى وعي اللجنة بهذا الموضوع, خصوصا مع التوتر الذي يرافقها وبالتالي تلقائيا ترتفع حدة التأتأة أكثر من المعتاد. ومع الأسف قد يترجم هذا التوتر الى ضعف الثقة في النفس. إضافة إلى عدم تكوين الأساتذة تكوينا كافيا حول هذا الموضوع. وبخصوص مناقشة الأبحاث في نهاية التكوين (الاجازة, الماستر, الدكتوراه), فالطالب الذي لديه تأتأة يحتاج لوقت أكثر من الطالب الذي يتحدث بطلاقة لتقديم بحثه والاجابة على الاسئلة.

تستمر الصعوبات إلى مابعد التخرج والبحث عن شغل قار, إذ يواجه أغلبهم شبح البطالة أو يضطرون إلى العمل في مجالات بعيدة عن دراستهم ولا تحتاج الى التحدث كثيرا. بل حتى بعضهم لا يقبل في مباريات التوظيف. وهنا نتساءل عن دور الحكومة في توفير ظروف تمييزية كما هو الحال لذوي الاحتياجات الخاصة الذين يستفيدون من الكوطا في المباريات. أو على الأقل على الحكومة أن تضمن وجود مقوم النطق في جميع المباريات لضمان الشفافية والمساواة بين جميع المتبارين.

بعد كل ما قيل, قد يتبادر إلى ذهنكم السؤال التالي: أليس هناك علاج للتأتأة؟ بلى فالحصص العلاجية تتم مع مقوم النطق وفي بعض الحالات مع أخصائي أو طبيب نفسي. إلا أن الإشكال المطروح هو الثمن المرتفع لمقومي النطق والمعالجين النفسيين والتعويض الهزيل المتعلق بالتغطية الصحية.

إن المتلعثمون هم فئة غالبا ما تختار الصمت والانعزال وعدم الخروج من منطقة الراحة مما يجعل الإصابة بالمشاكل النفسية واردة . تبدا رحلة المعاناة بداية من العائلة التي غالبا ما تجهل كيفية التعامل مع الطفل المتلعثم ثم المدرسة التي لا توفر ظروفا تكييفية لهذه الفئة ويظل التلميذ تحت رحمة الأستاذ وثقافته العامة حول هذا الموضوع لان الأستاذ في تكوينه يتلقى تكوينا سطحيا فقط حول صعوبات التعلم. إضافة الى التنمر الذي يواجهه المتلعثم من طرف زملائه في المدرسة والمجتمع عموما نتيجة لعدم وجود حملات تحسيسية تعرف بالتأتأة وغياب جمعيات تشتغل حول هذا الموضوع. اما بالنسبة لأخصائي النطق فثمنهم المرتفع يقف عائقا امام إمكانية العلاج خاصة بالنسبة للطبقة المتوسطة والفقيرة.

عموما ما تحتاج له هذه الفئة هو تسليط الضوء على هذا الموضوع وتأسيس جمعيات تشتغل حول هذا الموضوع تنشر الوعي حول التلعثم ومحاربة التنمر خاصة في المدارس والجامعات عبر حملات تحسيسية, كذلك الانخراط الجاد للمتلعثمين وايصال صوتهم وانخراطهم في الحياة المدنية والسياسية من اجل الترافع حول هذا الموضوع.

أخيرا, ان كنت متلعثما فقد حان الوقت لكي تتحدث وتصارع تلك الكلمات والحروف وتسمعنا صوتك وافكارك, ان لم تكن متلعثما فمطلبنا الوحيد لك هو معاملتنا كما تعامل الاخرين ولا تكمل لنا كلماتنا و كن شخصا يتقبل الاختلاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *