وجهة نظر

الإذاعات الخاصة: الجرأة تنهار أمام الإشهار

تعتبر الإذاعات الخاصة منتوجا إعلاميا دخل بقوة إلى بيت الفضاء السمعي البصري. نعم بيت في فضاء لأن ضغط القوانين أهون من ضغط التمويل المرتبط أساسا بإعلانات الشركات الكبرى الخاصة و بالمقاولات و المؤسسات العمومية ذات الميزانيات التي تخصص أموالا مهمة للتواصل مع الزبناء و أصحاب القرار عبر وصلات اشهارية أو مقالات موجهة أو تخصيص ملفات للمنجزات عبر الإعلام الذي يمكن تصنيف أغلبه في خانة الفقراء. الأقلية ذات الأثر الفاعل و السلوك “النموذجي” و صاحبة الشبكة تتمكن من الوصول إلى توازنات مالية مؤقتا.

و لأن المناسبة شرط، ولأن سوق الإشهار لا زال صغيرا بالنسبة لطالبي أمواله بمقابل النشر و الكلام و الصورة، فإن الكل يحاول أن يجد له مكان في مركز قرار التوزيع، بل و حتى اكرامية الرضى، لدى من تسمع كلمته لدى الآمر بالصرف الذي يمكن أن يوافق على شراء صفحات أو لحظات مسموعة أو مرءية. في خضم الإنتخابات لاحظ الكثير من متابعي الإعلام برودة كبيرة في التعاطي مع لحظة سياسية. الإذاعات الخاصة كانت إلى أمس قريب مجالا للقراءة النقدية الموضوعية نسبيا للبرامج السياسية و عنوانا للجرأة في التعبير. و لأن الأمس لا زال محفوظا في ذاكرة الوسائط السمعية البصرية ، بالإمكان الرجوع إلى الوثائق التي تبين النقاش و الاستفزاز الإيجابي الذي كانت تتسم بها الحلقات التلفزيونية و الإذاعية.

يمكن القول أن اليوم يتسم بالكثير من الفتور و التراجع في هذا المجال الذي توسع حتى أصبح عاديا جدا و ترك المجال لأشكال من التعبير عجنت بالشعبوية و تسلل إليها قاموس ” المعيار” كما قال المرحوم الفنان العمري في أغنية “النسيبة “. فالبرامج الإذاعية ذات الحمولة السياسية لبست قناع المرحلة و تم توجيهها إلى عدم المساس بكل ما من شأنه أن يضع التوازن المالي للإذاعة في مشكلة قد تقودها إلى الإفلاس. لا يمكن أن نعمم هذه الحالة على الجميع لأن معضلة تمويل إذاعة خاصة لا يعيشها الجميع. و بالرغم من كل هذا تتمكن بعض الأصوات الوازنة في بعض الإذاعات من عدم الانصياع للتوجيهات احتراما لسمعتها و لرصيد الثقة الذي تحظى به لدى المغاربة الذين يعشقون الراديو و هم أكثر من نصف سكان المغرب. و للاعلام فقط من يتجرأ على مناقشة معمقة لقضايا تهم النقل الجوي و السككي و الفوسفاط و الابناك و الفلاحة و التأمينات بعض شركات العقار؟ ستجد كل مجتهد، مغامر أنتقد بحجة أو بالتزام مؤسسة ذات تأثير في سوق الإشهار قد عرض نفسه و المؤسسة التي يعمل بها إلى وضعية مالية صعبة.
لكل هذا لن نشاهد الإعلام السمعي البصري و الإذاعات الخاصة بصفة خاصة تنظم برامج حوارية تجمع الزعماء و الوزراء للمواجهة و لإبراز التناقضات و الاختيارات و البرامج. كل زعيم يأتي لوحده مع تخصيص حيز زمني للدكاكين السياسية.

و حماية للإعلام و ضمانا لدوره في التوعية و إعطاء مفاتيح قراءة الواقع السياسي للرأي العام،وجبت حمايته من ذوي القرار المالي الذين يتحكمون في تحديد الزمن الافتراضي لعمر وساءل الإعلام . غدا ستصبح الساحة فارغة و ستصبح آليات التعبير العام و الخاص غير مسيطر عليها. ما من حزب إلا و له نجاحاته و اخفاقاته و لم يشهد تاريخ بلدنا بزوغ فجر على يد حزب واحد. كلهم مروا من تدبير الشأن العام منذ سنين و مزايداتهم يلفها الكذب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *