وجهة نظر

الإدارة الترابية وكرامة المواطن: رسالة من المهجر إلى وزير الداخلية

بين الخطاب الملكي في ٱفتتاح دورة البرلمان وما يعرفه الشارع المغربي من أحداث كان من اللازم أن ينصب الحديث عن كرامة المواطن. هذا بالضبط ما فطن إليه ملك البلاد وأعطى تعليماته الصارمة من أجل وضع كرامة المواطن المغربي فوق كل ٱعتبار دون إغفال إعمال القانون. هذا كله من شأنه أن يُشعر المواطن المغربي بنوع من الطمأنينة.

أن يتوجه السيد وزير الداخلية إلى السادة الولاة والعمال بحكم الدور المنوط بهم كممثلين لجلالة الملك وللحكومة، شيء لا يسعنا إلا التصفيق له و التنويه به. لكن سؤال الكرامة أعقد مما يعتقده الكثيرون. لذا آثرت أن ألجأ إليكم السيد الوزير لكي لا نضل الطريق مرة أخرى وتذهب توجيهات أعلى سلطة في البلاد في مهب الريح. لن أكون مبالغا إن قلت أنني من بين المواطنين الذين يتعاملون بجدية مع الخطابات الملكية وتحويلها إلى واقع عملي، رغم أنني أقيم بعيدا عن هذا الوطن الذي أحمله في قلبي.

لقد دعا ملك البلاد إلى العمل على إنجاح الأوراش التنموية فٱستجبت من موقعي ، ولما دعا الملك المغاربة إلى التعريف بالجهوية الموسعة كنت أول من حول خطاب الملك لما فيه من معان ثقيلة إلى موضوع أطروحة في إحدى أرقى الجامعات الفرنسية، حينما وجه جلالته الدعوة إلى النخب المؤهلة إلى المشاركة من أجل إنجاح هذا الورش الهام سارعت للاستجابة وشاركت في إحدى أفقر الجماعات بالمغرب العميق(جماعة أكادير ملول بإقليم تارودانت) رغم بعد المسافات في الوقت الذي تتهافت فيه النخب حول مقاعد البرلمان ومنافذ الامتيازات. لكن لا بُد أن أصارحكم السيد الوزير، أن كرامة المواطن قد تهان أمام مكاتب السادة العمال، ومن ذلك تجربتي المريرة داخل أروقة الإدارة الترابية ولست وحيدا لكامل الأسف.

لا يفوتني السيد الوزير أن أنوه بالسادة الولاة والسادة العمال لكن لا يمكنكم أن تصدقوا إذا قلت لكم أننا في مغرب اليوم بإمكان المواطن أن يلتقي ملك البلاد في حين تبقى رؤية السيد العامل من سابع المستحيلات رغم تأكيد جلالته على الإنصات لمشاكل الجالية وتنويه جلالته بمجهوداتهم وتحملهم عناء التنقل دون الحديث عن إستغرابه لمواطنين يتنقلون من مسافات بعيدة دون أن يجدوا من يصغي إليهم. هذا هو ما نعيشه كأبناء الجالية حاملين لمشاريع من أجل المصلحة العامة وليست خاصة .

مشاريع وٱقتراحات تدخل كلها في إطار التوجهات المكية والإلتزامات التي وقعها المغرب. لا يُعقل أن ينخرط السادة العمال في تفعيل توجيهات الملك في حين يسبح الكتاب العامون داخل العمالات ومعهم مديروا الدواوين ورؤساء المصالح ضد التيار. ما يقع داخل أروقة بعض العمالات وغيرها من مرافق الإدارة الترابية أكبر بكثير من تحطيم شئ اسمه الكرامة والذي تنتج عنه الكوارث التي تسيء للبلد ومثال المرحومة مي فتيحة شاهد على ذلك.

لا أخفي لكم سيدي الوزير أنني شخصيا ٱنتابني وفي أكثر من مناسبة نفس الشعور بالحكرة. سيدي الوزير إن سؤال الكرامة لا يجوز ٱختصاره في عمل الموظف وسلوكه داخل الإدارة. الكرامة تستلزم أن يوضع حد للشطط في استعمال السلطة وأن يمارس كل سلطته في حدودها التي يرسمها القانون.

إن ما آل إليه الوضع سيدي الوزير يتحمل فيه المسؤولية جزء من الإدارة الترابية عندما ٱستقالت من مهام الوصاية على فئة من المنتخبين أعماهم الجشع. كما يتحمل المسؤولية بعض المنتخبين الذين يتحملون تدبير الشأن العام. هؤلاء هم من داسوا ويدوسون على كرامة المواطن كل يوم. أي كرامة للفقراء في المدن عندما يتحول عمداءها إلى منعشين عقاريين؟ أي كرامة للفقراء في العالم القروي وهم ينظرون إلى منتخبين يكدسون الثروات من البرامج التنموية التي سجلوها بأسمائهم ومقاولاتهم؟ ألم يتحدث ملك البلاد عن فشل أكبر برنامج يستهدف هؤلاء وهو المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟.

لكي نعيد جزءً من الكرامة للمواطن يجب وضع تقييم جدي للسياسات العمومية وتحديد المسؤوليات. ممارسة السلطة في كثير من الأحيان لا تنزع فقط الكرامة من المواطن بل تقتل فيه الروح الوطنية وتُفرغ توجيهات أعلى سلطة في البلاد من المصداقية وهذا أمر خطير. والأخطر منه أن يفقد المواطن ثقته في المؤسسات وأن يشاهد توجيهات الملك يُضرب بها عرض الحائط.

نتمنى من وزارتكم أن تقوم بالواجب في هذا المجال ويعمل السادة الولاة والعمال على إنجاح الأوراش التنموية وعلى رأسها الجهوية الموسعة لأن بعض الممارسات التي سُجلت في أول سنة من هذا الورش الكبير توحي بأننا نسير بخطىً تابثة نحو إفشال مشروع طموح من شأنه أن يُعالج الكثير من الإختلالات.

سيدي الوزير إنني أضحي ليلا ونهارا من أجل المساهمة في تنمية بلدي، ولكم من الإمكانيات ما يجعلكم تفتحون معنا تحقيقا لتقفوا على حجم التضحيات وكيف كرست حياتي لوطن أعيش خارجه كما لا يفوتني أن ألتمس منكم أن تفتحوا تحقيقا لتقفوا على حجم المعاناة والظلم الذي يطالني ويطال غيري من المواطنين الأبرياء.

لن أطيل عليكم سيدي الوزير وأتمنى أن تكون الإدارة بعد اليوم في خدمة المواطن. أقول لكم هذا الكلام بدموع الحزن ونحن على بُعد أيام من إكمال سنة من المعاناة التي يُكابدها سكان جماعة أكادير ملول بإقليم تارودانت حينما تم إغلاق إدارة الجماعة في وجهها في إطارأسرع وأغرب قرار يتم ٱتخاذه في ضرب صارخ للمفهوم الجديد للسلطة ولقرار وزارتكم وتجاوز تام لصلاحيات المجلس المنتخب ومعه صلاحيات العامل الذي من المفروض فيه أن يؤشر على كل قرار له علاقة بتنظيم الإدارة بحكم نص القانون.

سبق وأن أطلقنا صرخة النجدة تجاه ممثل جلالة الملك ولكن للأسف الجميع يلتزم الصمت في الوقت الذي كان من المفروض أن يُفتح تحقيق في الموضوع للوقوف على حيثياته التي سنكشفها للرأي العام.

إذا كان جلالة الملك يريد إدارة في خدمة المواطن فنحن نقول له وبكل مسؤولية أن الإدارة قد تتحول إلى بعبع يخيف المواطن ويكون فيها الموظف أداة للعقاب بعدما أصبح التوظيف في الإدارات تُمليه المصالح الخاصة وتحول الموظف إلى آلية لٱستنزاف حقوق المواطنين الأبرياء وما يخفي ذلك من إهانة لهيبة المؤسسات.

سيدي الوزير المحترم إن كلامي هذا ما هو إلا وصف دقيق لجزء من واقع مرير قد يجر علينا ٱنتقاده المزيد من الويلات. سيدي الوزير أبلغوا عني جلالة الملك أننا كجالية، رغم بعد المسافات ورغم تحجُّر بعض العقليات، نُصرُّ ونلتزم بتنزيل كل توجيهاته داخل وخارج المغرب من أجل بناء هذا الوطن وتحسين صورته متى توفرت الشروط الضرورية لذلك. وأولى الشروط أن تخضع الإدارة الترابية لمنطق القانون والمصلحة العليا للوطن وحماية المواطنين وحقوقهم من الظلم والطغيان.

سيدي الوزير قبل أن أختم لا بد أن أنوه بمجهودات الكثير من المسؤولين من ولاة وعمال وموظفين أكفاء في العديد من الإدارات المغربية (بما فيها الإدارة الترابية) صادفتهم في هذه المسيرة وٱلتمست منهم الصدق وروح المسؤولية وحرصهم التام على الصالح العام. هؤلاء ومعهم توجيهات جلالة الملك هم وقودنا الذي نستمد منهم جزءً كبيرا من الطاقة التي تجعلنا نصمد أمام الإهانة والابتزاز.

كما لا يفوتني أن أنوه بالعديد من الشركاء من جماعات تُرابية وإدارات وجمعيات في دولة المهجر (فرنسا) والتي لمست فيها غيرة كبيرة على بلد إسمه المغرب وتعمل معنا بجدية لإنجاح مشاريع داخل الوطن والعمل على التكريس العملي لتوجيهات الملك (تجاه المسيرة التنموية التي ٱنخرط فيها المغرب وتجاه الشباب بدولة الإقامة) وهذه الغيرة هي التي يفتقدها الكثير من نُخبنا داخل المغرب للأسف وأقولها وأكررها بكل مسؤولية وبكثير من الحسرة والخجل.
ولكم سيدي الوزير واسع النظر.

ــــــــــــ
مستشار جماعي بإقليم تارودانت مقيم بفرنسا